الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره)
فؤاد عبد اللطيف السرطاوي
الملخص
يعتبر الزواج الشرعي الأكثر رواجا في بناء و تكثير النسل مع ما يلحقه من المودة والرحمة و الطمأنينة والسكن في انفس الأزواج وبخاصة إذا كانت عوامل التوافق الروحية والمادية على درجة واحدة من المستوى وقد تختلف بعض الشيء في زواج المسلم من إمرأة من أهل الكتاب ) اليهودية و المسيحية ) . فهل يمكن لهذا الزواج أن يحقق المقاصد الشرعية في ظل القوانين الوضعية و الأوضاع السياسية والإجتماعية السائدة اليوم. هذا ما حاولت هذه الدراسة الإجابة عنه من خلال معالجة القضية من وجهة نظر شرعية تعتمد على النصوص و الوقائع المؤيدة او المعارضة.
المقدمة
جاءت التشريعات المتعلقة بالأسرة جزءا لا يتجزأ من النظام العام في الاسلام، وقد حظيت بعناية كبيرة نظرا لما تحققه من المصالح وتدرؤه من المفاسد ومن هنا باستطاعتنا أن ندرك الأثر الكبير الذي يترتب على عقد النكاح، خاصة وأن الميل الفطري بين الذكر والأنثى ميل عميق في التكوين الحيوي لا بد له من طريق مأمون لتلبيته بصورة بعيدة عن الشذوذ والافراط، ليكون خطوة نحو مدارج الكمال وتحمل المسؤوليات ـال وتحمــل سؤوليات
ومظهرا من مظاهر الرقي الانساني، والراحة النفسية. ولا شك أن افضل انواع الزواج ما تلاقت فيه الرغبات وتعارفت فيه الأرواح من خلال اتحاد العقيدة والأهداف في تناسق تتلاقح فيه المودة والرحمة، فتطيب الحياة وتسعد الأسرة ويلتم شمل الأمة، وهذا هو منطق القوانين الاجتماعية عبر التاريخ في ايجاد التناغم والتوازن والتلاحم بين مختلف المجالات. وقد أدرك أعداء هذه الأمة قوة ورصانة هذه اللبنة فخططوا لهدم هذا الصرح وافساده من الداخل والخارج، مستفيدين من حالة الوهن والضعف التي يمر بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، فعملوا على افساد المرأة واحلال القوانين الوضعية مكان القوانين السماوية ونشروا ذلك بمختلف وسائل الاعلام المتاحة. فواجهت الأسرة المسلمة من المشاكل ما يبدو لفئة من الناس أنها شديدة التعقيد، بينما تبدو لغيرهم أنها سهلة وبسيطة، وترك مثل هذه القضايا بلا حل يزيد من استفحالها واعتبارها من المشاكل المزمنة، التي يدور فيها المجتمع في حلقة مفرغة. ومن أشد هذه المشاكل تعقيدا - في تصورنا - وأكثرها خطرا على مجتمعنا ما يمكن أن نسميه المرض الشائع أو الحالة المرضية المسيطرة والأسرة لقطاع كبير من الشباب المثقف
المتمثلة في الزواج من نساء أهل الكتاب، ومع انتشار هذه الظاهرة فقد وجدت من واجبي أن اتعرض لهذه القضية بالبحث والتفصيل موضحا الايجابيات والسلبيات المترتبة على ذلك في أيامنا الحاضرة.
المبحث الأول: أهل الكتاب أو أهل الذمة المطلب الأول: تحديد مفهوم مصطلح أهل الذمة
الذمة في اللغة مأخوذة الذمام وهي الحرمة، أو ما يذم به الرجل على اضاعته من العهد، وتفسر الذمة بالعهد وبالأمان وبالضمان، قال أبو عبيد الذمة الأمان في قوله عليه السلام ويسعى بذمتهم أدناهم" وسمي المعاهد نميا بنسبته الى الذمة. ولا شك في أن المعنى الشرعي للذمة له علاقة وثيقة بالمعنى اللغوي، حيث ان إخلاف الوعد وعدم الضمان إنما هي من الأمور التي يتم بها الرجل
(۲)
أما الذمة في الاصطلاح فقد عرفها بعض العلماء بانها وصف يصير به الانسان أهلا لما له ولما عليه، كما اذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذمة ثبت لهم وعليهم حقوق المسلمين في الدنيا، وهذا هو العهد الذي جرى بين الله تعالى وعباده يوم الميثاق . وقد تعرض الأستاذ مصطفى الزرقا الى معنى الذمة عند الفقهاء والأصوليين ونقد كثيرا من التعاريف الواردة في كتبهم وخلص الى تعريفها بقوله هي محل اعتباري في الشخص تشغله الحقوق التي تتحقق عليه (۳).
وجاء في دائرة المعارف الاسلامية أن الذمة هي العهد الذي يعطى للقوم الذين يدخلون في الاسلام عند فتح المسلمين لبلادهم ولا يسترقون ويؤمنون على حياتهم وحريتهم ثم على أموالهم، ومن ثم يسمون أهل الذمة أو الذمة أو الذميين شريطة أن يبذلوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة (٤) .
(0) -
وأما أهل الكتاب فهو اللفظ أو الوصف الذي ذكره القرآن وجاء في السنة النبوية الشريفة دالا على اليهود والنصارى تمييزا لهم عن عبدة الأوثان، وذلك لأن لهم كتبا منزلة هي التوراة والزبور والانجيل، وهم وإن كانوا يتناقلونها مبدلة عن أصولها إلا أن اعترافهم بها يجعل لهم مكانا ممتازا بالنسبة لعبدة الأوثان وقد أستنبط الفقهاء في هذا المقام مسألة جعلوها محل النظر والاجتهاد وهي هل العبرة في حل طعام أهل الكتاب والتزوج منهم بمن كانوا يدينون بالكتاب (كالتوراة والانجيل) كيفما كان كتابهم وكانت أحوالهم
أنسابهم أم العبرة باتباع الكتاب قبل التحريف والتبديل وبأهله الأصليين كالاسرائيليين من اليهود (٦)؟ وتدلل أقوال الفقهاء التي سنذكرها على ما ذكرنا مع زيادة في بعض التفريعات التي سنشير اليها في موضعها
لقباء التي تذكرها ما في بعض اليها في ان شاء الله
<< الصفحة الرئيسية