قرينة الدستورية كاساس لعمل القاضي الدستوري


قرينة الدستورية كاساس لعمل القاضي الدستوري
د. عيد أحمد الحسبان 

 

*****************************************************
الرقابة على دستورية القوانيين في القانون المصري والفلسطيني
المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى
مركز مجلس الأمة في النظام الدستوري الجزائري
النظرية العامة للمشكلة الدستورية القانون الدستورى
التنظيم الدستوري للمجتمعات التعددية في الدول الديمقراطية
كتاب الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري
حقوق الإنسان في دساتير العالم العربي
دستور الولايات المتحدة الأميركية
كتاب: دساتير فرنسا موريس فرجيه
المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية
تعريف نظام وقف تنفيذ القرارات الإدارية
بحث: ماهية الرقابة على دستورية القوانين
*****************************************************
المبحث الأول التحديد المفهومي لقرينة الدستورية للعمل التشريعي
المطلب الأول مفهوم قرينة الدستورية للعمل التشريعي
المطلب الثاني الطبيعة القانونية لقرينة الدستورية للقانون
المبحث الثاني أساس قرينة الدستورية لمصلحة القانون
المطلب الأول المبررات المعرفية للقاضي كأساس لقرينة الدستورية
المطلب الثاني مبدأ المساواة السياسية كأساس لقرينة الدستورية
المطلب الثالث قرينة الدستورية كضمان للوقاية من الأخطاء في الأحكام الدستورية
الفرض الأول : صدور حكم بدستورية قانون يتبين بعد ذلك أنه غير دستوري
الفرض الثاني: صدور حكم بعدم دستورية قانون يتبين بعد ذلك أنه دستوري

الخاتمة

إن استقرار المنظومة القانونية في النظم الدستورية المعاصرة، يعتبر مطلباً أساسياً ليس للسلطات العامة فحسب، وإنما كذلك للأفراد ، ولذا فإن هذه الإشكالية تناولها الفقه الدستوري من زوايا متعددة، لا سيما بعد انتشار فكرة القضاء الدستوري وتطورها، سواء باتجاه مركزية أو لا مركزية القضاء الدستوري، بحيث أضحى التحدي أمام البرلمانات هو وضع قواعد قانونية يصعب أن يتم استبعادها أو الامتناع عن تطبيقها استناداً لأحكام القضاء الدستوري، بهدف تحقيق الثقة بالأعمال

التشريعية للبرلمان. ومن هنا طرحت شرعية البرلمانات المنبثقة من الإرادة الشعبية بالانتخاب يقابلها طرح مسألة شرعية القضاء الدستوري الذي يعد الحارس الحقيقي للدستور، بما يحتويه من نصوص تتضمن كفالة الحقوق الأساسية وضمان حمايتها من جراء الانتهاك من قبل المشرع بمناسبة تنظيمها.

ولذا فقد كانت الإشكالية التي طرحتها الدراسة، تتمحور حول مدى فعالية قرينة الدستورية التي يقترن بها القانون بمجرد صدوره في ضمان دعم وتعزيز الثقة العامة بالتشريع الذي يضعه المشرع في مواجهة احتمال النتائج المترتبة علــى خضوع التشريع لرقابة القضاء الدستوري. ولذا فقد تبين أن قرينة الدستورية تشكل ضمانة حقيقية للتشريع الذي يصدره البرلمان المنبثق بأسلوب ديمقراطي من الإرادة الشعبية؛ حيث إن التشريع يعتبر صحيحاً من كافة الوجوه إلى أن يثبت العكس وذلك بدحض هذه القرينة بمبررات حقيقية ودقيقة وجدية . ولذا فإنه إذا كان هناك شك بمسألة الدستورية، فإن هذا الشك يفسر دوماً لمصلحة دستورية القانون، هذه الضمانة هي ما يطلق عليه في الدراسات الدستورية قرينة الدستورية لمصلحة القانون.

وقد بينت هذه الدراسة مفهوم قرينة الدستورية وطبيعتها وتمييزها عن القرائن القانونية الأخرى، بالإضافة إلى الوقوف على الأسس والمبررات التي تقوم عليها قرينة الدستورية، وخلصت الدراسة لما يلي:

أولاً: أن قرينة الدستورية تشكل ضماناً حقيقياً لتعزيز الثقة بالبرلمانات والأعمال القانونية التي تصدرها، وتجذير هذه الثقة في نفوس الهيئة الانتخابية.

 ثانياً: تعتبر قرينة الدستورية من وسائل إثبات دستورية القانون، وعلى من يدعي عكس ذلك، أن يقدم الأدلة الواضحة والجدية لإثبات صحة إدعائه، وبالتالي إمكانية دحض قرينة الدستورية عن القانون المطعون فيه من خلال إقناع القاضـ الدستوري لإصدار حكم بعدم دستورية القانون.

 ثالثاً: يظهر تأثير قرينة الدستورية على عملية التفسير الدستوري، أنه إذا وجد أكثر من تفسير للنص الدستوري، يجب على القاضي الدستوري أن يأخذ بالتفسير الدستوري الأكثر توافقاً مع القانون المطعون بعدم دستوريته، وذلك لتسهيل مهمته في إصدار حكم بدستورية القانون مبدأ التفسير الدستوري الأكثر توافقاً مع القانون.

رابعاً: إن من مظاهر تأثير قرينة الدستورية على عملية التفسير القانوني، أنه إذا كان هناك أكثر من تفسير للنص القانوني المطعون بعدم دستوريته، يجب علـــى القاضي الدستوري أن يأخذ بالتفسير القانوني الأكثر توافقاً مع الدستور، وذلـــك تيسيراً عليه في إصدار حكم بدستورية القانون مبدأ التفسير القانوني الأكثر توافقـــاً مع الدستور.

خامساً: إن قرينة الدستورية لمصلحة القانون توجب على القاضي الدستوري،

أن يتحرى الدقة والاستقلال في تكوين اقتناعه بدستورية القانون، دون التأثر بالمواقف والظروف والمبررات التي يتم تقديمها أو المداولات التي تمت من قبل البرلمان أثناء مراحل إصداره.

سادساً: تختلف الدول في تحديد طبيعة قرينة الدستورية؛ فمنها ما جعلها قرينة بسيطة، بينما جعلتها دول أخرى قرينة قوية؛ ويمكن الوصول لتحديد طبيعة القرينة من خلال الوقوف على الأغلبية المطلوبة لإصدار الأحكام الدستورية. فبالنسبة للدول التي تجعل قرينة الدستورية قرينة بسيطة، تكون الأغلبية المطلوبة لإصدار الحكم بدستورية القانون أو عدم دستوريته هي أغلبية بسيطة. أما بالنسبة للنظم الدستورية التي تجعل من قرينة الدستورية قرينة قوية، فإنها تميز بين الأغلبية المطلوبة لإصدار الحكم بدستورية القانون فتكون هنا الأغلبية بسيطة، بينما تتطلـ للحكم بعدم دستورية القانون أغلبية موصوفة كالثلثين أو أكثر من ذلك.

سابعاً: أنه في الأحوال التي تتعادل فيه أصـوات أعضــاء جهــة القضـاء الدستوري باتجاه الحكم بالدستورية واتجاه الحكم بعدم الدستورية، هنا دائماً تعطى الأفضلية للاتجاه الذي يرى دستورية القانون استناداً لقرينة الدستورية.

 ثامناً: أن قرينة الدستورية تلعب دوراً فعالاً في تقليل الأخطاء التي تقع مـــن القضاء الدستوري، وخاصة الأحكام التي تقرر عدم الدستورية لقانون ما ثم يتبين بعد ذلك أن القانون دستوري من خلال التمحيص والتدقيق اللاحق للوقائع والمبررات التي تم تقديمها أثناء نظر الطعن بعدم دستورية القانون. فهنا لا يمكن تصحيح الخطأ القضائي في ظل النظم الدستورية التي تأخذ بمركزية القضاء الدستوري؛ لأن أثر الحكم بعدم الدستورية هو أثر عام ومطلق في مواجهة الكافـــة بما فيها الجهة التي قامت بإصداره ، هذا من جهة ومن جهة أخرى أن الحكم بعدم الدستورية هنا يؤدي إلى سحب القانون المحكوم بعدم دستوريته من المنظومة القانونية، وبالتالي لا يبقى له وجود.

 بينما يبدو الأمر أكثر سهولة في ظل النظم الدستورية التي تأخذ بلامركزيــــة القضاء الدستوري، وخاصة في الدول التي لا تأخذ بمبدأ السوابق القضائية، لأن أثر الحكم نسبي مقصور على أطراف الدعوى التي صدر الحكم بعدم الدستورية بمناسبتها، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن نطاق الحكم يقتصر على الامتناع عن تطبيق القانون في الدعوى. وبالتالي يمكن أن يكون ذات القانون محــــلاً لدفع بعدم الدستورية مستقبلاً لبقائه في المنظومة القانونية. ويكون التصحيح أكثر تعقيداً في النظم التي تأخذ بمبدأ السوابق القضائية، لكنه ممكن من خلال التراجع عن السابقة القضائية التي تكرست في الحكم السابق، سواءً كان هذا العدول صريحاً أو ضمنياً أو من خلال التمييز بين الحالتين.

تاسعاً: إن المبررات التي تقوم عليها قرينة الدستورية تجد أساســـها فـــي المبررات المعرفية للقاضي الدستوري من خلال موازنة الوقائع لمصلحة الدستورية وتلك المبررات التي تقدم لدحض قرينة الدستورية. عاشراً: يلعب مبدأ المساواة السياسية في النظم الديمقراطية دوراً بارزاً فـــي إضفاء قرينة الدستورية على القانون، ما دام أن هذا القانون صادراً من برلمان منتخب بأغلبية الأصوات، والأصل أن هذه الأغلبية لا تخطئ في التعبير عن الإرادة العامة للأمة، والاستثناء على ذلك هو وقوع مثل هذا الخطأ، وفــي حــــال ثبوت هذا الخطأ تنتفي قرينة الدستورية عن القانون، ويتم الكشف عن هذا الخطأ من قبل جهة القضاء الدستوري، وهنا يتجلى الدور الذي يلعبه هذا القضاء باعتباره حارساً لسمو الدستور بما يتضمنه من حقوق أساسية وحريات عامة للأفراد.