الثلاثاء، 11 أبريل 2023

النظرية العامة للدساتير



النظرية العامة للدساتير.

الدولة الحديثة تسعى دوما للتوفيق بين الحريات الفردية والمصلحة العامة وعلى هذا الأساس فإن الدستور هو الذي ينظم هذا التعايش السلمي بين سلطة الدولة وحرية الأفراد، بين أنانية الفرد وحاجات الجماعة عن طريق النصوص الدستورية.لكن ما يمكن التنبيه إليه هو أن الدستور بصورته الحالية لم يظهر في أوربا إلا في أواخر القرن الثامن عشر إبان الثورتين الفرنسية والأمريكية، لأنه قبل ذلك كانت المجتمعات الغربية تعتمد بصفة أساسية على العرف في تسيير حياتها العامة.يدور مفهوم القانون الدستوري حول فكرة تنظيم الحكم في الدولة وحول طريقة ممارسة السلطات العامة لاختصاصاتها.وعليه سنتناول خلال هذا الفصل المباحث التالية:

المبحث الأول: مفهوم القانون الدستوري.

المبحث الثاني: مصادر القانون الدستوري.

المبحث الثالث: أنواع الدساتير وأساليب نشأتها.

المبحث الرابع: سمو الدساتير والرقابة على دستورية القوانين.

المبحث الأول: مفهوم القانون الدستوري.

-------------------------------------------------------------------------

--------------------------------------------------------

يمكن القول بأن فكرة الدستور لم تظهر متأخرة عن نظام الدولة، وإنما كانت معاصرة لقيام أي مجتمع سياسي منظم، باعتبار أن الصراعات السياسية على السلطة كانت قائمة منذ العصور القديمة وهو ما دفع إلى وجوب الاستمرار في البحث من أجل إيجاد وسائل وأدوات ملائمة لتنظيم أعمال السلطة في المجتمع من أجل التحكم في الأوضاع القائمة وعدم السماح بقيام حكم الطغيان والاستبداد. وعليه وعبر امتداد التاريخ نشأت قواعد قانونية تضبط أعمال السلطة فتجعلها منتظمة في إطار القانون.بناء على ما ترسب في الغرب من أفكار سياسية والتي قامت أساسا على فكرة القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي، فإن قواعد القانون الدستوري كانت تخضع بالأساس إلى فلسفة واضعي الدستور.نتناول خلال هذا المبحث ثلاثة مطالب هي المطلب الأول تعريف القانون الدستوري، والمطلب الثاني موقع وعلاقة القانون الدستوري بفروع القانون الأخرى والمطلب الثالث التفرقة بين القانون الدستوري والمصطلحات المشابهة له.

المطلب الأول: تعريف القانون الدستوري. إذا كان لابد لكل مجتمع من قواعد قانونية ينصاع أفراده إليها فمن باب أولى أن يكون لكل مجتمع سياسي ـ الدولة ـ قانون أساسي ينظم الحياة الدستورية فيها. وهذا يعني أن القواعد المنظمة للحكم في الدولة التي لها علاقة بموضوعات القانون الدستوري والتي تكون معاصرة لقيام أي مجتمع سياسي. فمن خلال تراكمات تجارب الدول والبحث عن حلول للصراعات القائمة تولدت القواعد الدستورية في الدولة. لكن يبقى أن نشير إلى أنه رغم كثرة الدراسات وشيوع اصطلاح (القانون الدستوري) في الفقه الدستوري الوضعي، إلا أن الفقهاء اختلفوا في وضع تعريف جامع مانع، وتنوعت تعريفاتهم من حيث الزاوية التي ينظر من خلالها كل فقيه لهذا الموضوع، وبحسب المعايير التي يعتمد عليها في تحديد نطاقه وتعريفه، وتنحصر أهم المعايير في المعيار اللغوي والمعيار التاريخي والمعيار الشكلي والمعيار الموضوعي.

الفرع الأول: المعيار اللغوي.بعني اصطلاح كلمة دستور (Constitution) باللغة الفرنسية والانجليزية التأسيس أو البناء أو النظام. أما باللغة العربية فالمصطلح من أصل فارسي يتكون من كلمتين (دست) ومعناها قاعدة و(ور) ومعناها صاحب.وفي اللغة الفارسية المعاصرة أصبحت تعني القاعدة أو القانون. وقد استعمله العثمانيون لأول مرة في دستورهم الوضعي الصادر في 1876 . أما في القديم فإنه استعمل بمعنى دفتر أو مجلد تدون فيه قوانين الدولة.

وعليه ومن خلال هذا المفهوم اللغوي للقانون الدستوري جاء تعريفه بأنه: (مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أساس الدولة وتحدد تكوينها) هذا التعريف يوسع نطاق القانون الدستوري إلى مجالات ليست من اختصاصه بحسب ما أجمع عليه الفقه مثل القانون الإداري والنظام القضائي وحتى قوانين الجنسية، ومنه وجهت لهذا التعريف انتقادات كثيرة.

الفرع الثاني: المعيار التاريخي.منذ أواخر القرن الثامن عشر بدأت الجامعات الايطالية في تدريس مادة القانون الدستوري وبالضبط في عام 1797، في جامعة فيراري. أما في فرنسا فقد أنشئ أول كرسي القانون الدستوري من طرف (جيزو) وزير التعليم عام 1834، في عهد حكومة لويس فيليب الأورلياني. فقد حاول جيزو ربط القانون الدستوري بالدستور حيث حاول نشر الأفكار الليبرالية والنظام النيابي الذي تأثرت به فرنسا في تلك الحقبة. وعليه عرف الفقهاء القانون الدستوري في القرن التاسع عشر بأنه (مجموعة القواعد القانونية التي تحدد السلطات العامة وحقوق الأفراد في ظل نظام نيابي حر) وبالتالي فهم يعتبرون أن القانون الدستوري لا يوجد إلا في ظل النظام النيابي الحر.

الفرع الثالث: المعيار الشكلي.

هناك من الفقهاء من يعتمد في تعريف القانون الدستوري على الجانب الشكلي وعلى ما احتوت عليه الوثيقة الدستورية الرسمية من قواعد، أما باقي القواعد الدستورية غير المدونة فلا يعتبرها هذا الاتجاه الفقهي من القواعد الدستورية الرسمية. بالرغم من أهمية وواقعية هذا الاتجاه الذي يمتاز بالوضوح، وتطبيقه مرتبط بالوثيقة الدستورية التي يسهل التعرف عليها، إلا أنه وجهت لها عدة انتقادات أهمها:

1)            هناك موضوعات تعد من صميم القانون الدستوري ولا يتم إدراجها ضمن الوثيقة الدستورية.

2)            هناك ما يمكن أن يدرج ضمن الوثيقة الدستورية وهو ليس من موضوعات القانون الدستوري مثل صرف المياه وإنتاج الأدوية أو تهمل نصوص هامة مثل نظام الانتخابات والأحزاب السياسية.

وعليه يمكن اعتبار المعيار الشكلي عاجز عن تقديم تعريف جامع مانع يحدد المدلول الحقيقي للقانون الدستوري.

الفرع الرابع: المعيار الموضوعي.

بسبب الانتقادات الشديدة التي وجهت إلى المعيار الشكلي الذي أخذ بالاعتبارات الشكلية لتعريف القانون الدستوري، ظهر المذهب الموضوعي أو المادي لإعطاء تعريف يتجاوز تلك الانتقادات، وعليه فوفقا لهذا الاتجاه يتضمن القانون الدستوري جميع القواعد التي لها علاقة بموضوع السلطة سواء جاءت في الوثيقة الدستورية الرسمية المعتمدة لدى الدولة أم هي قواعد عرفية غبر مدونة أم قواعد تشريعية تصدر من البرلمان لتنظيم السلطة كقانون الانتخابات مثلا فكل القواعد المنظمة للسلطة واختصاصاتها والتي تبين نشاطات السلطة العامة والعلاقات التي تربط فيما بينها أو التي تبين طبيعة الأنظمة كلها تعتبر من القواعد الدستورية في إطار المعيار الموضوعي. وقد استند أغلب الفقه على هذا المعيار لتعريف القانون الدستوري التي يمكن تلخيصها في جملة من التعريفات أهمها:

ـ (القانون الدستوري هو مجموعة من القواعد القانونية التي بموجبها يتقرر تنظيم الحكم ومباشرة السلطة السياسية.).

ـ ( هو القانون الأساسي المشتمل على المبادئ الرئيسية التي ترتكز عليها الدولة، وعلى الأحكام العامة التي تضبط عمل السلطات والهيئات في الدولة.).

المطلب الثاني: موقع وعلاقة القانون الدستوري مع غيره من فروع القانون.

بعد تحديد مفهوم القانون الدستوري من خلال المعايير التي استند إليها الفقه في تحديد تعريفات مختلفة لمضمونه، يجب البحث في موقع هذا القانون وكذا علاقته مع غيره من فروع القانون الأخرى.

الفرع الأول: موقع القانون الدستوري من بين فروع القانون الأخرى.

درج الفقه على تقسيم القانون إلى قسمين، قانون خاص وقانون عام.

يعرف القانون الخاص بأنه ( القانون الذي ينظم العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا كباقي الأشخاص، وليس باعتبارها صاحبة سلطة وسيادة.) وهو ينقسم إلى عدة فروع منها القانون المدني والقانون التجاري والقانون الدولي الخاص وقانون الإجراءات المدنية.

 

أما القانون العام فهو( القانون الذي ينظم العلاقة بين الدولة والأفراد أو بين مصالح الدولة فيما بينها بوصفها صاحبة سلطة وسيادة، ويهتم بنشاط الدولة سواء كان سياسيا أو إداريا أو ماليا.) وهو ينقسم بدوره إلى قانون عام داخلي وهو يهتم بدراسة الدولة وتنظيم نشاطها في مختلف الميادين الضرورية ويشمل القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي والقانون الجنائي. وقانون عام خارجي وهو القانون الدولي العام الذي يدرس علاقة الدولة بغيرها من الدول والمنظمات الدولية.ما يمكن استنتاجه إن موضوعات القانون العام تشترك في دراسة موضوع واحد وهو الدولة ثم تهتم في تخصصها بدراسة صورة معينة من نشاط الدولة.

الفرع الثاني: علاقة القانون الدستوري مع فروع القانون الأخرى.من خلال تحديد موقع القانون الدستوري من بين فروع القانون نجد أن له صلات وثيقة بفروع القانون العام، ولكن ذلك لا يمنع من وجود صلات بين القانون الدستوري وفروع القانون الخاص وإن كانت بقدر أضعف نسبيا.

أولا: علاقة القانون الدستوري مع فروع القانون العام.

1)            علاقة القانون الدستوري بالقانون الدولي العام: القانون الدولي يهتم أساسا بنشاطات الدولة في المجال الخارجي. أما القانون الدستوري فيبحث في القواعد التي تحدد نظام الحكم في الدولة وشكل واختصاصات السلطات العامة فيها. وبالرغم من في مجال اهتمامات القانونين إلا أنه توجد بينهما بينها صلات قوية تتمثل في:

ـ القانون الدولي تضع قواعده الدول من خلال الاتفاقيات والمعاهدات التي تبرمها، أما القانون الدستوري فإنه يحدد ويبين طرق وإجراءات ووسائل نشاط الدولة في المجتمع الدولي.

ـ الأشخاص الذين يمثلون الدولة في الخارج ويملكون حق إبرام المعاهدات باعتبارهم يمثلونها تعد من موضوعات القانون الدولي العام وهم أنفسهم أعضاء السلطة التنفيذية التي هي من اهتمامات القانون الدستوري.

ـ هناك العديد من المبادئ القانونية الدولية تنص عليها دساتير الدول وتكرسها مثل المساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

ـ كما تحدد الدساتير مدى القوة الإلزامية للمعاهدات الدولية داخل الدولة.

2)           علاقة القانون الدستوري مع فروع القانون العام الداخلي:

ـ علاقة القانون الدستوري بالقانون الجنائي: القانون الجنائي ينظم العلاقة بين الفرد والدولة وهو يشمل بيان الجرائم والعقوبات المقررة لها والإجراءات الواجب إتباعها جنائيا، وتظهر العلاقة بين القانون الجنائي والقانون الدستوري في أن القانون الجنائي يعمل على حماية الدستور ونظام الحكم في الدولة ويعاقب على محاولة المساس بأمن الدولة، كما أن القانون الدستوري يحدد المبادئ التي يبنى على أساسها القانون الجنائي مثل اعتبار المتهم بريء حتى تثبت إدانته من جهة قضائية.

ـ علاقة القانون الدستوري بالقانون الإداري: من مظاهر العلاقة بين القانون الدستوري والقانون الإداري، إن القانون الدستوري يضع الأسس التي يبنى القانون الإداري والفلسفة التي تقوم عليها الإدارة، ويهتم القانون الإداري بتنفيذ تلك المبادئ الدستورية.

ـ علاقة القانون الدستوري بالقانون المالي: إن القانون المالي يستمد مبادئه الرئيسية من الدستور الذي يحدد قواعد وضع الميزانية خاصة فيما يتعلق بالضرائب والإيرادات وطرق الإنفاق.

ثانيا: علاقة القانون الدستوري بفروع القانون الخاص.

الدستور يترك العلاقات الخاصة في الغالب للتنظيم بشكل حر ودون تدخل من جانبه خاصة وأن القوانين التي تضبط تلك العلاقات يغلب عليها الاستقرار والثبات، مثل القانون المدني وقانون الأسرة، ولكن رغم ذلك نجد القانون الدستوري يتضمن المبادئ والأسس العامة للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي مثل النص على أن الملكية الخاصة مضمونة وحق الإرث وكذلك حماية الأسرة، ويعود إلى القوانين الخاصة تنظيم وتجسيد تلك المبادئ وتفصيلها.

وما يمكن ملاحظته في العلاقة بين القانون الدستوري والقوانين الخاصة أنها ضعيفة نسبيا بحكم أن القانون الدستوري يهتم بنظام الحكم وشكل السلطة، بينما تهتم القوانين الخاصة بالعلاقات القائمة بين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة وكذلك العمة ولكن هذه الأخيرة ليس بوصفها صاحبة سلطة وسيادة.

المطلب الثالث: الفرق بين القانون الدستوري وبعض المصطلحات المشابهة له.

بجانب اصطلاح القانون الدستوري مصطلحات أخرى تشبهه وهي قريبة منه ولكن ليس لها ذات المعنى، ونقصد من بين تلك المصطلحات الدستور والنظام الدستوري، ونظرا للتشابه اللغوي الكبير والاختلاف في المعنى يتوجب التمييز بين هذه التسميات.

الفرع الأول: القانون الدستوري والدستور.

يميز الفقهاء بين اصطلاح القانون الدستوري والدستور من خلال التعريف الذي يعطونه لكل منهما فيعرف الدستور بأنه:(الوثيقة القانونية التي تصدر عن هيئة معينة طبقا لإجراءات خاصة تتضمن القواعد المتعلقة بنظام الحكم في الدولة في وقت معين.) أما القانون الدستوري فقد يتعرض إلى بحث مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في مختلف الدول أي أن القانون الدستوري قد يبحث من ناحية المقارنة بين مختلف الدول أما الدستور فإنه ينصرف مدلوله إلى دولة بالذات.

فالدستور بمفهومه الموضوعي موجود في كل الدول ولو أنه شكلا غير موجود في بعضها لأنه لا يتصور قيام مجتمع سياسي دون دستور، وفضلا عن ذلك فإن المفهوم الشكلي للدستور يجعل منه مصدرا من مصادر القانون الدستوري وإن كان يحتل المرتبة الأولى.

قد يتطابق مفهوم القانون الدستوري والدستور متى أخذ بالمفهوم المادي (الموضوعي) لأن الاصطلاحين يمكن تعريفهما في هذه الحالة بـ (مجموعة القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة.)

أما إذا أخذ بالمفهوم الشكلي للدستور فهو يمثل الوثيقة الرسمية المكتوبة ويتضمن قواعد ذات طبيعة دستورية وأخرى غير دستورية بطبيعتها.

الفرع الثاني: القانون الدستوري والنظام الدستوري.

النظام الدستوري هو الذي يحقق خضوع السلطة لقواعد تحكم وسائل ممارستها دون أن يكون باستطاعة هذه السلطة الخروج عن هذه القواعد، أو هو الهيكل العام الذي يقرره الدستور. النظام الدستوري يقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة،ولكي تكون كذلك يشترط الفقه الفرنسي لإضفاء صفة النظام الدستوري على النظام السياسي في الدولة أن تكون الحكومة خاضعة لقواعد قانونية دستورية أعلى منها ولا يجوز لها التحلل منها والخروج عنها بل يجب التقيد بما جاء فيها من قيود وفصل بين السلطات وتكون الغلبة للبرلمان المنتخب من طرف الشعب.

 

هذا الرأي لم يصبح مقبولا في الحقيقة في عصرنا الحاضر لأن المفهوم الحديث للدستور لم يعد يهتم بشكل النظام ولا أساسه ولكنه يمثل الوثيقة المتضمنة نظام الحكم في الدولة فقط . ومنه نخلص إلى أن القانون الدستوري أوسع من النظام الدستوري، وبالتالي فإن انعدام هذا الأخير لا يؤثر ولا يحول دون وجود الأول

     المبحث الثاني: مصادر القانون الدستوري.

يميز الفقه بين المصادر الرسمية التي تتمثل في التشريع والعرف والمصادر غير الرسمية أو التفسيرية والتي تشمل القضاء والفقه. باعتبار أن النوع الأول يعمل على إعلان القواعد الملزمة، إما عن طريق السلطة العامة من خلال التشريع وإما نتيجة إلزاميتها في ضمائر الناس من خلال أطرادها واستقرارها بالنسبة للعرف.

أما دور الفقه والقضاء فليس تشريع القواعد القانونية وإنما يقتصر على مجرد شرح وتفسير القانون، ولكن هذا التقسيم قد يتغير بالنسبة للمجتمعات التي تأخذ بنظام السوابق القضائية الملزمة مثل بريطانيا.

مادام أغلب الفقه يقسم هذه المصادر إلى رسمية وتفسيرية فإننا سوف نتناول في المطلب الأول المصادر الرسمية وفي المطلب الثاني المصادر التفسيرية.

المطلب الأول: المصادر الرسمية.

تشتمل المصادر الرسمية في معظم كتب الفقه على التشريع والعرف بالنسبة للدول التي تأخذ بالدساتير المكتوبة.

الفرع الأول: التشريع كمصدر رسمي للدستور.

عند دراسة التشريع كمصدر رسمي للقانون الدستوري، فإننا نأخذ بالمفهوم الموضوعي لتعريف القانون الدستوري (المعيار المرجح لدى الفقه لتعريف القانون الدستوري) يمكن أن يشمل التشريع كل القواعد والنصوص التي تتناول بالتنظيم موضوعا من موضوعات القانون الدستوري، هذه القواعد سواء وردت في وثيقة دستورية مكتوبة أو وردت في القوانين الأساسية الصادرة من البرلمان والتي تنصب على موضوعات دستورية، أو إعلانات الحقوق وكذا مقدمات الدساتير.

أولا: الوثيقة الدستورية المكتوبة.

أهم ما يميز الدولة الدستورية الحديثة في نظر فقهاء القانون الدستوري هو تدوين الأعمال المنظمة للسلطة في الدولة في وثيقة تسمى الدستور، وهي القواعد التي كانت عرفية حتى القرن الثامن عشر، حيث كان الحكام يتمتعون بسلطة مطلقة ولا يتقيدون بأي نظام قانوني يحد من سلطتهم.

يعد الدستور الذي أصدره كرومويل بعد استيلائه على السلطة في انجلترا عام 1653 أول وثيقة دستورية مكتوبة ينطبق عليها هذا المعنى، والذي استوحى فيه أحكام ميثاق الشعب والمبادئ التي صدرت من المجلس الحربي لكرومويل. فقد نص هذا الميثاق على أن السيادة للشعب وهو صاحب الحق في إصدار الدستور.

أما أول الدساتير التي تجلت فيها الأغراض السياسية للدولة الحديثة هو دستور الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1787 والدستور الفرنسي لعام 1791. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية عمت فكرة الدساتير المدونة وأصبحت هي البناء الأول الذي تفكر فيه الحركات التحريرية بعد حصولها على الاستقلال.

ثانيا: القوانين الأساسية (العضوية).

توجد بالدول التي تأخذ بالدساتير المكتوبة نصوص قانونية تنظيمية تصدر عن السلطة التشريعية (البرلمان)، تأخذ وصف القوانين الأساسية، وهي تتميز عن القوانين العادية شكلا ومضمونا. ومن أهم هذه القوانين الأساسية، القوانين المتعلقة بالانتخابات، والنظام الداخلي للبرلمان وقانون الأحزاب السياسية.

ومن بين الأسباب التي دفعت إلى ابتكار هذا النوع من التشريع (القوانين) هو تسهيل مهمة تعديلها لمعالجة موضوعات دستورية لا يمكن إدراجها خلال الوثيقة الدستورية الجامدة. كما قد تكون تكملة لنصوص ناقصة في الدستور.

يعتمد الفقه في تحديد مدلول القوانين الأساسية على معيارين أساسيين هما المعيار الشكلي والمعيار الموضوعي.

ـ المعيار الشكلي: يرتكز أنصار الاتجاه الشكلي في تعريف القوانين الأساسية على التفرقة التي جاء بها الدستور الفرنسي لعام 1958 في مادته (46) بحيث تنص على أن القوانين الأساسية هي القوانين التي ورد النص عليها في الوثيقة الدستورية ويتبع بشأن إصدارها إجراءات خاصة تختلف عن الإجراءات المقررة للقوانين العادية. وهو ما نص عليه الدستور الجزائري المعدل عام 1996 في المادة (123) منه.

ـ المعيار الموضوعي: يعتمد هذا المعيار على جوهر ومضمون القاعدة القانونية دون النظر إلى الشكل والإجراءات التي تتبع في وضعها، سواء تضمنتها الوثيقة الدستورية أو تم النص عليها في قوانين صادرة عن البرلمان.

أما فيما يخص قيمتها القانونية، فالقوانين الأساسية أو العضوية فهي تأتي في المرتبة الثانية بعد القواعد الدستورية، ولكن الدول تختلف في ترتيبها بحسب ما نصت عليه دساتيرها من حيث إجراءات الإقرار أو التعديل فقد تكون مشابهة لإجراءات وضع القواعد الدستورية وبالتالي تكون لها نفس القيمة وقد تكون بدرجة أخف وأكثر مرونة مما يجعلها في المرتبة الثانية بعد القواعد الدستورية المدونة في الوثيقة الدستورية.

ثالثا: إعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير.

توجد إلى جانب الوثيقة الدستورية المكتوبة وثائق أخرى تعلن فيها مبادئ عامة وتوضح فيها فلسفة المجتمع وتسمى إعلانات الحقوق والحريات، كما يمكن أن تدرج تلك الفلسفة والمبادئ في دساتيرها على شكل مقدمات أو ديباجات. ومن أهم الأمثلة على ذلك إعلان الحقوق الأمريكي الصادر في عام 1776 وإعلان الحقوق الفرنسي الصادر في عام1789 . وبالنسبة للقيمة القانونية لتلك الإعلانات والمبادئ فقد اختلف الفقه في مدى أهميتها ومن بين الاتجاهات نذكر:

1)            اتجاه يعتبرها مجرد مبادئ فلسفية أخلاقية ينكر عليها أي قيمة قانونية.

2)            اتجاه يؤيد فكرة إضفاء القوة الإلزامية على الإعلانات.

3)            اتجاه ثالث يرى ضرورة التمييز بين النصوص القانونية والنصوص التوجيهية في الإعلانات، حيث يرى إلزامية الأولى وعدم إلزامية الثانية.

الفرع الثاني: العرف كمصدر رسمي للقواعد الدستورية.

يعتبر العرف من أقدم المصادر الرسمية للقاعدة القانونية بصفة عامة والمصدر الأساسي إلى يومنا هذا للقواعد الدستورية في الدول التي تأخذ بالدساتير العرفية. إن تقسيم الدساتير إلى دساتير مدونة ودساتير عرفية هو تقسيم يقوم على العنصر الغالب لهذه القواعد في الدولة، فعندما يكون العنصر الغالب هو القواعد المكتوبة يوصف الدستور بأنه من الدساتير المدونة، أما إذا كان العكس أي القواعد العرفية هي العنصر الغالب فيعتبر من الدساتير العرفية.

ومنه يبرز التمييز بين الدستور العرفي والعرف الدستوري.

ـ الدستور العرفي هو الذي تكون أغلب قواعده غير مدونة كالدستور الإنجليزي، وهذا لا يمنع من وجود وثائق قليلة مدونة تتضمن قواعد دستورية.

ـ أما العرف الدستوري فهو مجموعة القواعد التي لم تدون في وثيقة الدستور المكتوب، والتي تعرف بالسوابق الدستورية التي اعتادت السلطات الحاكمة على إتباعها دون أن تلقى معارضة ويعتبر الأفراد أنها ملزمة. وعليه فالعرف الدستوري يقوم على ركنين، ركن مادي وهو اعتياد السلطات الحاكمة على إتباع سلوك معين. وركن معنوي يتمثل في الشعور بإلزامية ذلك السلوك المتبع.

ويأتي هذا العرف إما لتفسير ما يشوب الوثيقة الدستورية من غموض أو ليكمل نقصا أو يدخل تعديلا عليها بما يتماشى وأهداف معينة.

أولا: العرف المفسر.

يظهر هذا النوع من العرف في حالة وجود غموض وعدم وضوح في الوثيقة الدستورية، وعليه فهو لا ينشئ قواعد دستورية جديدة وإنما يبين التطبيق السليم أو المعنى الحقيقي للنص المكتوب.

ثانيا: العرف المكمل.

ينشأ هذا العرف ليكمل المجالات التي لم تنظم في الوثيقة الدستورية، أي تظهر نصوص عرفية جديدة إلى جانب الوثيقة المكتوبة لاستكمال نقص معين غفل عنه المؤسس الدستوري.

ثالثا: العرف المعدل.

ويقصد به ذلك العرف الذي ينصرف أثره إلى تعديل حكم ورد في الدستور سواء باستحداث قاعدة دستورية جديدة أو بحذف بعض أحكامها، فتسمى الحالة الأولى التعديل بالإضافة وتسمى الحالة الثانية التعديل بالحذف.

أما القيمة القانونية للعرف المعدل، فالعرف المعدل محل خلاف بين الفقهاء ويمكن تلخيص خلافهم في اتجاهين هما:

الاتجاه الأول: لا يقر ولا يعترف تماما بشرعية العرف المعدل بحجة أن تعديل الدستور الجامد يتطلب إجراءات مشددة ولا يجوز مخالفتها وفي حالة استحداث هذا التعديل العرفي فسيكون عملا غير مشروع.ويرون أن العرف المعدل يتعارض مع سيادة الشعب.

الاتجاه الثاني : يعترف بالعرف المعدل ويعتبره وليد الإرادة العامة ولا يتعارض مع السيادة الشعبية، ولكنهم يختلفون حول مرتبة هذا العرف فمنهم من يرى أن هذا العرف يأخذ مرتبة القواعد العادية، ومنهم من يرى أنه يأخذ مرتبة النصوص الدستورية.

المطلب الثاني: المصادر التفسيرية.

وهي موجودة في كل الدول سواء ذات الدساتير العرفية أو المكتوبة، وتتمثل في مصدرين هما القضاء والفقه.

الفرع الأول: القضاء كمصدر من مصادر القانون الدستوري.

يقصد بالقضاء كمصدر للقانون بوجه عام ( مجموعة الأحكام التي تصدر عن المحاكم في صدد تطبيقها للقانون على المنازعات التي تعرض عليها) وهذا يعني أن الأحكام التي تصدر من المحاكم والمتضمنة مبادئ لم ينص عليها، ولها حجج قانونية عامة تعتبر من مصادر القانون.

وبما أن الموضوع هو القضاء كمصدر للقانون الدستوري، والذي يعني مجموعة القواعد المستنبطة من أحكام المحاكم في المجال الدستوري، وقد تنشأ بعض القواعد منة خلال ما يعرف بالرقابة على دستورية القوانين، فعندما تقضي المحاكم الدستورية بدستورية أو عدم دستورية قانون ما، فإن هذه الأحكام قد تتضمن نصوص مفسرة أو مكملة لما يعتري النصوص من غموض أو نقص. كما قد تنشأ قواعد دستورية من خلال الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية عند فحصها لمشروعية أعمال الإدارة المتصلة بالحقوق والحريات العامة للأفراد.

الفرع الثاني: الفقه كمصدر من مصادر القانون الدستوري.

يقصد بمصطلح الفقه كمصدر للقانون (مجموعة البحوث والآراء والدراسات المتخصصة في القانون.) فعندما يقوم الفقهاء بتحليل الأحكام وإجراء مقارنات ونقد وتقييم الأعمال فهم بذلك يسهمون في إبراز النقائص والعيوب في التشريع والقضاء. ومنه فالفقه له دور في شرح القواعد الدستورية الوضعية، وله كذلك دور هام كمصدر مادي في التأثير على السلطة التشريعية عند وضعها للقوانين والقضاء عند تطبيقه لها.

وينقسم الفقه من حيث دوره إلى قسمين هما:

ـ الفقه الموجه: عندما يقوم بدور إنشائي من خلال دراسة ومعالجة المسائل الدستورية، ومن الأمثلة على ذلك مبدأ سيادة الأمة عند (روسو) ومبدأ الفصل بين السلطات عند (مونتسيكيو).

ـ الفقه المفسر: وهو يقوم بتحليل وشرح القوانين الدستورية فيبرز ما بها من نقص أو غموض أو إبهام ويسترشد بآرائه التشريع والقضاء على حد سواء.

جدول يبين التقسيم الفقهي لمصادر القانون الدستوري.

 

البلدان ذات الدساتير العرفية

البلدان ذات الدساتير المكتوبة

  المصادر 

   الرسمية

مصادر أصلية

ـ العرف

ـ القضاء

ـ الدساتير المكتوبة

مصادر احتياطية

ـ القواعد

المكتوبة

ـ العرف الدستوري

  المصادر

  التفسيرية

           

          ـ الفقه

ـ القضاء

ـ الفقه

المبحث الثالث: أنواع الدساتير وأساليب نشأة الدساتير المكتوبة.

يقسم الفقهاء الدساتير من حيث الشكل إلى دساتير عرفية وأخرى مكتوبة أو مدونة أما من حيث إجراءات التعديل فتقسم إلى دساتير مرنة وأخرى جامدة. كما يقسمون الدساتير المكتوبة من حيث طرق وأساليب نشأتها إلى دساتير ذات نشأة غير ديمقراطية، وأخرى ذات منشأ ديمقراطي.

هذا ما سنتناوله خلال المطالب التالية: المطلب الأول أنواع الدساتير والمطلب الثاني: أساليب وطرق نشأة الدساتير.

المطلب الأول: أنواع الدساتير.

يقسم الفقه الدستوري إلى أنواع من حيث الشكل وأيضا من حيث إجراءات التعديل.

الفرع الأول: تقسيم الدساتير من حيث الشكل.

تقسم الدساتير من حيث الشلك إلى دساتير عرفية وأخرى مكتوبة أو مدونة.

أولا: الدساتير العرفية( Coutumière ).

ويقصد بها الدساتير غير المدونة والتي نشأت عن طريق العرف نتيجة إتباع السلطات العامة في الدولة عند تنظيم شؤونها لسلوكيات محددة استمرت لمدة طويلة فتحولت إلى عرف دستوري ملزم بالنسبة لهذه السلطات. ومن أهم الأمثلة على ذلك الدستور الإنجليزي. والملاحظ أن هذه الدساتير كانت هي السائدة في العالم إلى أن صدر أول دستور في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787.

وبالرغم من اعتماد الدول ذات الدساتير العرفية على القواعد العرفية إلا أن ذلك لا يمنع من وجود وثائق مكتوية تدون فيها بعض القواعد. ولكن التساؤل يثور حينما يتعارض نصان أحدهما عرفي والثاني مكتوب فلمن تكون الأولوية؟

المشكلة تثور حينما تكون القاعدة المكتوية موجودة وتنشأ قاعدة عرفية مخالفة لها. الرأي الغالب لدى الفقه يرى أن القاعدة العرفية أولى من القاعدة المكتوبة لغلبة الجانب العرفي في الدستور على المكتوب.

ثانيا: الدساتير المدونة أو المكتوبة(Ecrite).

ويقصد بها الدستور المدون في وثيقة أو عدة وثائق معينة، وهي تعد الأكثر شيوعا في العالم. إذ أن معظم الدول لها دساتير مكتوبة وهذا الأسلوب أصبح يعمل به لأجل حاجة الدول حديثة العهد بالاستقلال لتنظيم شؤونها وبناء حكم يسوده الاستقرار وتجنبا للفوضى. إلى جانب ذلك هناك أشكال من الدول خصوصا الاتحادات الفيدرالية أو المركزية لا يضمن بقاءها ويحدد صلاحيات الحكومة المركزية والحكومات المحلية إلا القواعد المحددة في الدستور الفيدرالي المكتوب.

تتميز الدساتير المكتوبة بالوضوح والثبات مما يحقق استقرار أنظمة الحكم في تلك الدول ويضمن حقوق الأفراد وحرياتهم.

كما يعاب عليها أنها تصبح عاجزة على مسايرة التطورات الحاصلة في المجتمع من خلال تطور العصر وتغيير الظروف وتسارع الأحداث مما يشكل عائق في طريقها نحو التطور والتقدم.

الخلاصة أن هذا التقسيم يعد نسبيا مقبول، ولكن لا يمكن إطلاقه دون استثناءات لأنه في واقع المجتمع الدولي لا توجد دولة ذات دستور مكتوب من دون وجود قواعد عرفية، وبالمقابل كذلك ليس هناك أنظمة ذات دساتير عرفية ليست لها بعض الوثائق الدستورية المكتوبة، ومنه فهذا التقسيم يركز على العنصر الغالب من القواعد الدستورية أهي عرفية أم مكتوبة؟

الفرع الثاني: تقسيم الدساتير من حيث إجراءات التعديل.

تقسم الدساتير من حيث إجراءات التعديل إلى دساتير مرنة ودساتير جامدة.

أولا: الدساتير المرنة (Souple).

يقصد بالدساتير المرنة تلك التي يمكن تعديلها بإتباع الإجراءات المقررة لتعديل القوانين العادية، وأن السلطة التي تتولى ذلك هي نفس السلطة التي تقوم بسن القوانين العادية، أي السلطة التشريعية. وما يمكن قوله في هذا الصدد أن أغلبية القواعد الدستورية العرفية تعتبر مرنة ولا يشترط عند تعديلها أية إجراءات خاصة.

والمثال على ذلك اختصاص البرلمان الإنجليزي بتعديل النصوص الدستورية حيث يتبع نفس الإجراءات المحددة لتعديل القوانين كما يلغي منها ما يشاء.

كما أن صفة المرونة قد ترد على الدساتير المكتوبة ومثال ذلك دستور الاتحاد السوفيتي الصادر عام 1918 حيث كان مرنا وكذلك دستور إيطاليا 1848 وفرنسا عام 1830 وارلندا الحرة 1922.

ومن عيوب هذه الدساتير تأثرها بالأغلبية البرلمانية والأهواء السياسية والحزبية لسهولة تعديلها.

ثانيا: الدساتير الجامدة (Rigide).

ويقصد بها الدساتير التي لا تعدل نصوصها إلا بإتباع إجراءات خاصة غير تلك المتبعة في تعديل القوانين العادية، ولعل السبب في ذلك المحافظة على ثباته واستقراره، وبالتالي فالجمود هنا لا يعني عدم إمكانية التعديل تماما ولكن وجود إجراءات خاصة منصوص عليها في الدستور، عادة ما تكون على النحو التالي:

اقتراح التعديل ومن ثم إقراره مبدئيا ثم إعداده وأخيرا إقراره نهائيا.

المرحلة الأولى: اقتراح التعديل قد يكون من البرلمان أو من الحكومة أو الاثنين معا. وفي الدستور الجزائري لعام 1989 في مادته 163 المبادرة بتقديم مشروع تعديل الدستور تعود إلى رئيس الجمهورية، وفي تعديل 1996 فإن المبادرة مقررة لرئيس الجمهورية بحسب المادة 174 ولثلاثة أرباع (4/3) أعضاء غرفتي البرلمان بحسب المادة 177.

المرحلة الثانية: مرحلة إقرار مبدأ التعديل وتكون من خلال عرضه على غرفتي البرلمان للتصويت عليه حسب الإجراءات المنصوص عليها لتشريع القوانين.

المرحلة الثالثة:الإقرار النهائي للتعديل في ظل دستور 1996 فإن التصويت يتم عليه بالأغلبية البسيطة في حالة ما إذا كان اقتراح التعديل وارد من رئيس الجمهورية، أما إذا كانت المبادرة من البرلمان فيعرضه الرئيس على الاستفتاء غير أن لرئيس الجمهورية إمكانية إصدار نص التعديل متى أحرز على ثلاثة أرباع أصوات أعضاء البرلمان وكان لا يمس المبادئ العامة التي تحكم المجتمع وحقوق الإنسان ولا يمس التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية ويشهد على ذلك رأي المجلس الدستوري بحسب المواد(174،176،177).

هذا فيما يخص إجراءات التعديل، أما بالنسبة لحظر ومنع التعديل فيتمثل في الحظر الزمني والحظر المطلق

ـ الحظر الزمني ويكون لفترة زمنية محددة يمنع فيها إجراء أي تعديل للدستور ومثال ذلك الدستور الفرنسي لعام 1791 والذي حظر تعديله لمدة أربع سنوات وكذلك دستور الكويت لعام 1962 والذي نص على عدم تعديله لمدة خمس سنوات.

ـ كما قد يكون الحظر مطلقا إذا ما تعلق بجوانب محددة من القواعد الدستورية مثلما جاء في دستور الجزائر لعام 1976 في مادته 195 حيث نص على عدم جواز تعديل الدستور في الصفة الجمهورية للحكم ودين الدولة والاختيار الاشتراكية.....الخ

والجدير بالذكر أن الدستور الجامد يؤدي إلى ترتيب أثار هامة تتمثل في مبدأ سمو الدستور مما يؤدي إلى ظهور مبدأ ثاني وهو الشرعية والمتمثلة في خضوع الجميع للقانون حكاما ومحكومين.

المطلب الثاني: أساليب وطرق نشأة الدساتير.

تتوقف نشأة الدساتير على نظام الحكم السائد في الدولة أثناء وضع الدستور فقد ينشأ بطرق غير ديمقراطية مثل المنحة والعقد بين الحاكم والشعب، أو بطرق ديمقراطية مثل الجمعية التأسيسية أو الاستفتاء الشعبي.

الفرع الأول: الطرق غير الديمقراطية لنشأة الدساتير.

أولا: المنحة.

ظهر هذا الأسلوب كطريقة يتجنب من خلالها الملوك ثورة الشعب عليهم والقضاء على سلطتهم، فحاولوا وضع حد لاستياء الشعب بأن تنازلوا عن بعض سلطاتهم له ضمن وثيقة مكتوبة ليشعروه بأنه يشاركهم الحكم. وعليه وصفت بأنها منحة من الملك، ومن الأمثلة على ذلك الدستور الفرنسي الصادر في 04جوان1814 والذي منحه لويس الثامن عشر للأمة عقب سقوط نابليون الأول.

ثانيا: العقد أو الاتفاق.

ينشأ هذا النوع من الدساتير غالبا بعد ثورة أو انقلاب أو تأثير الشعب أو ممثليه عن الملك فيخضعونه لإرادة الشعب، أحسن من أن يفقد سلطانه نهائيا فيشاركون الشعب في وضع دستور النظام الجديد. ومن أهم الأمثلة على ذلك الدستور الفرنسي لعام 1830 والدستور البحريني لعام 1973. 

الفرع الثاني: الطرق الديمقراطية لنشأة الدساتير.

هناك طريقتان أساسيتان هما الجمعية التأسيسية والاستفتاء الشعبي.

أولا: الجمعية التأسيسية.

في هذا الأسلوب ينفرد الشعب بوضع الدستور بواسطة هيئة تأسيسية منتخبة بطريقة ديمقراطية من قبله، نظرا لتعذر سنه بالطريق المباشر. ويكون الدستور الذي تضعه هذه الهيئة واجب النفاذ بمجرد إقراره من قبلها. ومن الأمثلة على ذلك دستور الولايات المتحدة الأمريكية بعد استقلالها عام1787.

ثانيا: الاستفتاء الشعبي.

تختلف هذه الطريقة عن وضع الدستور بواسطة الجمعية التأسيسية، نظرا لأن الدستور في هذه الحالة يصدر من الشعب مباشرة فيبدي رأيه فيه ولا يصبح نافذا إلى بعد موافقته عليه من خلال استفتاء.

وهنا يجب التمييز بين الاستفتاء الدستوري المتعلق بمسائل دستورية والاستفتاء السياسي الذي يتعلق بشؤون الحكم حول قرار أو خطة سياسية معينة.

وقد اتبع الاستفتاء الدستوري في وضع الدساتير الجزائرية لعام 1976 و1989 و1996. وتعتبر هذه الطريقة الأكثر ديمقراطية من بين الطرق المتبعة في وضع الدساتير.

المبحث الرابع: سمو الدستور والرقابة على دستورية القوانين.

نظرا لما يحتويه الدستور من مبادئ وقواعد أساسية لتحديد السلطات وبيان اختصاصاتها وضبط مختلف العلاقات في الدولة، كان لابد من إقرار ضمانات تكفل حسن تطبيقه وحمايته، ومن بين أهم هذه الضمانات التي يتناولها الفقه الدستوري الوضعي مبدأ سمو الدساتير والرقابة على دستورية القوانين. وهو ما سنتناوله من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: سمو الدستور.

الدستور بما أنه هو الذي يقيم النظام القانوني في الدولة ويبين قواعد تنظيم ممارسة السلطة والعلاقات بينها وبين الأفراد، ويرسم الحدود التي تمارس فيها الوظائف وعليه فإن السلطة تكون دائما مقيدة به ولا يجوز لها مخالفة أحكامه. ومنه تعد القواعد الدستورية من أسما القواعد القانونية الأخرى، ولتوضيح هذه المكانة التي يحتلها الدستور يفضل تناول الجوانب التي يظهر من خلالها هذا السمو، لأنها قد تستند إلى مضمون قواعده أي موضوعه، وتسمى في هذه الحالة بالسمو الموضوعي أو  قد تستند إلى الطريقة والإجراءات التي يتم من خلالها وضع الدستور وطرق تعديله ويطلق عليها تسمية السمو الشكلي.

الفرع الأول: السمو الموضوعي.

يتحقق هذا السمو للدستور بالنظر إلى طبيعة القواعد الدستورية ومضامينها فهذه القواعد باعتبارها تتعلق بأساس وبناء الدولة ونظام الحكم فهي التي تنشئ السلطات العامة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وبالتالي فهي تعتبر الأساس الشرعي لجميع الأنظمة القانونية الموجودة في الدولة ومصدر جميع ما في الدولة من أنشطة قانونية.

وبناءا عليه يمكن القول أن السمو الموضوعي للدستور يترتب عليه نتيجتين هامتين هما:

ـ تأكيد وتدعيم مبدأ الشرعية، بحيث تكون الدولة القانونية بصفة عامة وهذا يعني أن تكون جميع التصرفات في الدولة متفقة مع أحكام القانون وأن تسود فيها قاعدة القانون فوق الجميع، حكاما ومحكومين.

عدم إجازة تفويض السلطات والصلاحيات إلا في إطار الدستور،هذه النتيجة أصبحت حتمية بعدما صار الحكام لا يمارسون السلطة بوصفهم أصحاب حق ولكن باعتبارهم مفوضين من قبل الشعب وفي إطار ما يحدده الدستور.

الفرع الثاني: السمو الشكلي.

يوصف الدستور الذي لا يعدل إلا بإتباع إجراءات مخالفة لتلك التي تتبع لتعديل القواعد العادية بالدستور الجامد، وهذا الجمود هو الأداة التي تعطي للقاعدة الدستورية المكانة التي تنفرد بها عن باقي القواعد القانونية الأخرى، لهذا فالسمو الشكلي لا يتحقق إلا في إطار الدستور الجامد والذي يتطلب لوضعه وتعديله إجراءات أكثر تعقيدا من تلك المتبعة في القوانين العادية، لأن الهدف من هذه الإجراءات هو حماية الدستور وإلزامية الخضوع لأحكامه.

المطلب الثاني: الرقابة على دستورية القوانين.

وقد تأخذ أسلوب الرقابة السياسية أو أسلوب الرقابة القضائية، اعتمادا على الهيئة التي تتولى القيام بهذه الرقابة.

الفرع الأول: أسلوب الرقابة السياسية.

تسمى الرقابة الدستورية هنا بالرقابة السياسية عندما تتولى جهة غير قضائية مهمة الفحص والتحقق من مدى مطابقة القوانين الصادرة لأحكام الدستور وقد تسمى بالسياسية عندما يغلب على التشكيلة المكونة لها الطابع السياسي. وهذه الرقابة منها ما يكون سابق لصدور القانون وتسمى بالرقابة السابقة، ومنها ما يكون بعد صدور القانون وتسمى بالرقابة اللاحقة. وتشكل لهذا الغرض هيئة سياسية لممارسة هذا الاختصاص الرقابي ، ولكنها في الواقع العملي تعتبر وسيلة غير فعالة لأنها غي الغالب تتشكل من نفس الجهة السياسية صاحبة الأغلبية في البرلمان، ولا يتصور أن تعارض تشريعات صدرت بموافقة نفس التيار، مما جعل معظم الدول تأخذ بالرقابة القضائية.

الفرع الثاني: أسلوب الرقابة القضائية.

والمقصود من ذلك إعطاء الحق للجهة القضائية بأن تتولى عملية فحص دستورية القوانين لكي تتحقق من مدى مطابقتها أو مخالفتها لقواعد الدستور، هذه الرقابة رغم تنوعها إلا أن الفقه الدستوري يركز على نوعين أساسيين هما : الرقابة القضائية عن طريق الدعوى الأصلية والرقابة عن طريق الدفع.

أولا: الرقابة القضائية عن طريق الدعوى الأصلية.

وتعني السماح لصاحب المصلحة ليبادر برفع دعوى ابتداء أمام المحكمة المختصة للمطالبة بإلغاء القانون المخالف للدستور ولا ينتظر حتى يطبق عليه القانون ليدفع بعدم دستوريته، كما هو متبع في أسلوب الدفع الفرعي، وغالبا ما تعهد مهمة الرقابة على دستورية القوانين إلى محكمة متخصصة ومحددة للقيام بها. وإذا ما تحققت المحكمة من مخالفة القانون للدستور قامت بإلغائه من خلال قبول الدعوى.

ثانيا: الرقابة عن طريق الدفع (الدعوى الفرعية).

تعني الرقابة في هذه الصورة وجود نزاع مطروح على القضاء، ثم يدفع أحد الخصوم بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه عليه، وفي هذه الحالة بتعين على القاضي أن يفحص هذه الدعوى، فإذا تحقق من مخالفة القانون للدستور امتنع عن تطبيقه ولكنه لا يلغيه، وإذا تحقق من عدم مخالفة القانون للدستور فإنه يرفض الدعوى ويصدر حكمه وفقا للقانون الساري المفعول.

الفرع الثالث: موقف الدستور الجزائري من مسألة الرقابة على دستورية القوانين.

مسألة الرقابة على دستورية القوانين تناولتها مختلف الدساتير الجزائرية على النحو التالي:

أولا: دستور1963 أوكل مهمة الرقابة إلى المجلس الدستوري كهيئة سياسية وهو ما نصت عليه المادة 63 منه، ولكن هذا المجلس لم يؤسس ولم يمارس مهامه وذلك بسبب تعليق العمل بالدستور بتاريخ 03/10/1963.

ثانيا: في دستور 1976 لم يذكر المجلس الدستوري وغيب تماما، ولكن تمت الإشارة فقط إلى ضرورة حماية القواعد الدستورية، وهو ما نصت عليه المادة 111 الفقرة(03).

ثالثا: في ظل تعديل 23/02/1989 نص على إنشاء مجلس دستوري في المادة 153 وخوله مهمة ضمان سمو الدستور عن طريق النظر في مدى دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، كما يسهر على سلامة الاستفتاء الانتخابات.

رابعا: التعديل الدستور 28/11/1996 نصت المادة 163 الفقرة (01)على إنشاء المجلس الدستوري بحيث يتشكل من تسعة أعضاء، ثلاثة يعينهم رئيس الجمهورية واثنان يختاران من المجلس الشعبي الوطني واثنان من مجلس الأمة وعضو واحد من المحكمة العليا وعضو واحد من مجلس الدولة، ويترأس المجلس أحد المعينين من قبل رئيس الجمهورية. وتكون العضوية لمدة ستة سنوات ويجدد نصف الأعضاء كل ثلاث سنوات عن طريق القرعة في المرة الأولى. أعضاء المجلس يتوقفون عن ممارسة أي وظيفة أو تكليف طيلة فترة انتسابهم إلى المجلس. ويمارس المجلس مهمة الرقابة عن طريق الإخطارات من رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة بحسب المادة 166، أما فيما يخص القوانين العضوية فلا يكون الإخطار إلى من قبل رئيس الجمهورية بحسب الفقرة الثانية من المادة 165، والرقابة على القوانين العضوية لا تكون لاحقة كما هو الحال بالنسبة للمعاهدات والقوانين العادية بحسب الفقرة الأخيرة من المادة123. وحسب ما نصت عليه المادة 167 يصدر المجلس قراره في خلال عشرون يوما من تاريخ إخطاره. أما بالنسبة للقوة الإلزامية لقرارات المجلس الدستوري فقد نصت المادة 49 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري نصت على أنها ملزمة لكافة السلطات العمومية والقضائية والإدارية وغير قابلة  لأي طعن.         

التسميات: