الثلاثاء، 14 فبراير 2017

تحليل النص القانوني

منهجية تحليل النص القانوني



المقدمة
    يعتبر النص القانوني الصورة النهائية التي تنتهي إليها القاعدة القانونية, ويعد هذا النص المرجع الأساسي لكل شخص يتعامل مع القانون, أي أنه أداة المخاطبة الاجتماعية للقاعدة القانونية, لذلك فالنص القانوني معرض للغموض الناتج عن صياغته من طرف المشرع, أو الغموض الناتج عن عدم قدرة بعض المخاطبين بالقانون على فهم دلالاته, لذلك تبرز الكثير من الآليات التي اختصت بتبسيط النص القانوني, ومن هذه الآليات, التفسير والتحليل والتعليق والملاحظة, وكلها آليات تطبق على النص القانوني لتيسير فهمه للمخاطبين بالقانون, وفي بحثنا هذا سنتناول بالدراسة آلية " تحليل النص القانون" معرفين لها ومبينين لأهم مراحلها, مع محاولة التطبيق على نص قانوني.
      ويقصد بتحليل النص القانوني تقسيم النص وتفكيكه إلى أجزائه من عناصر وصفات وخصائص وعزل بعضها عن بعضها ثم دراستها واحدا تلو الأخر للوصول إلى معرفة العلاقة بين هذه الأجزاء, وينقسم هذا التحليل إلى تحليل مادي صرف وهو تجزئة النص لفرز المعطيات عن بعضها البعض, وتحليل شخصي ويقصد به العملية التي يقوم بها المحلل في تحديد خصائص النص ومقاصده وهنا يبرز رأي المحلل ومواقفه.
   وتبرز أهمية دراسة هذا الموضوع في كون تحليل النص القانوني وسيلة أساسية لدراسة النص القانوني وإبراز الغاية من وضعه, وكذا استنباط الأحكام القانونية المرادة من طرف المشرع منه, وقد حاولنا من خلال هذا البحث الإجابة عن السؤال التالي: ما الطريقة المعتمد من طرف المشتغلين بالعلوم القانونية في تحليل النصوص القانونية. وللإجابة عن هذا السؤال انتهجنا المنهج الوصفي في المبحث الأول في معرض تبيين خطوات تحليل النص القانوني, والمنهج التحليلي في المبحث الثاني وذلك في الخطوات الإجرائية لنموذج تحليلي لنص قانوني.
خطــة البحـــث:  المقــــدمـــــة
المبحث الأول: الجانب النظري لتحليل نص قانوني.
المطلب الأول: التحليل الشكلي للنص القانوني.
الفرع الأول: الدراسة الوصفية للنص القانوني.
الفرع الثاني: الدراسة البنيوية للنص.
الفرع الثالث: إبراز الغاية من وضع النص.
المطلب الثاني: التحليل الموضوعي للنص (تحليل مضمون النص)
الفرع الأول: فهم وتحديد القاعدة القانونية.
الفرع الثاني: تحديد الإشكالية
الفرع الثالث: خطة المناقشة
المبحث الثاني:الجانب الموضوعي لتحليل نص المواد 59-60-61 من القانون المدني
المطلب الأول: التحليل الشكلي لنص المواد
الفرع الأول: الدراسة الوصفية لنص المواد
                    أولا: نص المواد
                    ثانيا: موقع النص
الفرع الثاني: الدراسة البنيوية لنص المواد
                     أولا: البناء المطبعي (الطبوغرافي)
                     ثانيا: البناء اللغوي المنطقي للنص.
الفرع الثالث: إبراز الغاية من وضع النص.
المطلب الثاني: التحليل الموضوعي لنص المواد
الفرع الأول: تحليل مضمون نص المواد

الفرع الثاني: طرح الإشكالية
الفرع الثالث: التصريح بخطة البحث
الفرع الرابع: تحليل المواد وفقا لخطة البحث
خـــاتمــة
المبحث الأول: الجانب النظري لتحليل نص قانوني.
     تنقسم معالجة النص القانوني موضع التحليل إلى قسمين جانب شكلي وجانب موضعي وسنتناول في هذا المطلب الجانب الشكلي وذلك بتحديد موقع النص ومواصفاته الشكلية وطبيعته وبنيته اللغوية والمنطقية.
المطلب الأول: التحليل الشكلي للنص القانوني.
ونبدأ أولا بالجانب الوصفي للنص القانوني وذلك بتبين نوع النص وموقعه والتعديلات الطارئة عليه.
الفرع الأول: الدراسة الوصفية للنص القانوني:
       مهما كان النص القانوني موضوع التحليل, سواء كان قاعدة أو مجموعة قواعد, أو مادة أو بعض مواد من قانون أو من مرسوم, فأول شيء يجب القيام به هو معرفة هوية هذا النص ابتداء من مصدره إلى رتبته وتاريخه, ثم يتم تبيان مضمونه وتحليله, للتمكن من تحديد الإشكالية ووضع خطة المعالجة. وتبيين المعطيات سالفة الذكر يساعد كثيرا في تحديد الغاية التي من أجلها وضع النص. كما أن إبراز تاريخ صدور النص مع تحديد المناسبة التي دعت المشرع لوضعه تصب أيضا في نفس الغاية.كما أن تبيين انتماء النص فيما إذا كان مدنيا أو تجاريا أو غيرهما يؤدي إلى التعرف على الفئة المجتمعية التي يخاطبها هذا النص, و ينبغي أيضا إبراز ما إذا كان النص عاما أو استثنائيا لتحديد فترة سريانه.
 الفرع الثاني: الدراسة البنيوية للنص: ويكون ذلك بالتركيز على بنيتين  في النص وهما البنية اللغوية المنطقية  و الطبوغرافية (المطبعية)
  أولا: البنية اللغوية للنص: ونحدد فيها كيفية صياغة المادة, وبأي الكلمات بدأت وانتهت, وما هو الأسلوب المستعمل, والمنطق الذي بنيت عليه  و كذا الإشارة إلى أهم العبارات والمصطلحات الواردة في النص خاصة التي قد تحمل معاني متباينة بين الاستعمال القانوني والاستعمال في مجالات أخرى.
 ثانيا: البنية الطبوغرافية: ويقصد بذلك بيان ما إذا كان النص قد ورد في فقرة واحدة أو على عدة فقرات أو مقاطع, ويترتب على ذلك عدة نتائج وهي: أنه يغلب على النص الوارد في فقرة واحدة أنه يعالج فكرة واحدة, كما أنه يغلب على النص الوارد في فقريتين أن تضم الفقرة الأولى القاعدة وتضم الفقرة الثانية الاستثناء وحدود هذه الاستثناءات وقد تكون الفقرات المتعددة هي تعداد للشروط التي تفترضها المؤسسة القانونية الواضعة للنص.
الفرع الثالث: إبراز الغاية من وضع النص.
     لا يمكن أن يصدر نص قانوني دون ان تكون له غاية أو فائدة يسعى المشرع لتحقيقها, والأسباب الموجبة للقانون تبين عادة الغاية من وضعه, ما يعني أن وضع قانون ما هو حل لمسائل قانونية مثارة في الحياة الاجتماعية اليومية.ومهما كان النص جديدا أو قديما فإنه يتوجب علينا إثناء التحليل أن نبين الفائدة التي تكمن وراء إصداره.
المطلب الثاني: التحليل الموضوعي للنص (تحليل مضمون النص)
          بعد تبين ما يتوجب علينا معالجته في الجانب الشكلي وبعد استيفاء كل الخطوات المذكورة يمكن للدارس بعد أن وضع القارئ في جو النص القانوني أن ينتقل إلى الخطوة الأكثر أهمية في تحليل النص القانوني ألا وهي التحليل الموضوعي للنص القانوني.
الفرع الأول: فهم وتحديد القاعدة القانونية: لفهم القاعدة القانونية فإن أول شيء نقوم به هو قراءة النص عدة مرات, مع دراسة كل كلمة وردت فيه, لأنه لا يمكننا التعليق على نص غير مفهوم, ففي القراءة الأولى يتم التعرف على نص القاعدة وتكوين فكرة أولية أو رؤية شاملة لها, والقراءة الثانية نقوم فيها باستخراج الجمل الرئيسية وعزلها عن بعضها البعض, وفي القراءة الثالثة يتم البحث عن الحالات الواقعية المشمولة بالقاعدة, وتبيان الحكم الذي توفره القاعدة عند تطبق شروطها.
الفرع الثاني: تحديد الإشكالية: إن محاولة فهم أي نص قانون وتجزيئه تنتهي بإثارة مجموعة من التساؤلات تشكل في فحواها إشكالية البحث الذي يريد الدارس من خلاله التنقيب في النص القانوني, ويكون هذا التساؤل هو نتاج عن اختصار النص او عن غموضه ويتضمن أيضا التساؤل عن الحالات الاستثنائية لتطبيقه, وكذا عن البحث عما قد يحد من هذا النص من قوانين وتشريعات أخرى.
الفرع الثالث: خطة المناقشة: يختلف بناء خطة المناقشة بحسب اختلاف مضمون النص فإذا كان النص عبارة عن قاعدة واستثناءات واردة عليها يقسم البحث لقسمين قسم يقرر القاعدة ويشرحها وقسم يبين الاستثناءات ويوضحها.
    أما إذا كان تعدد الفقرات ناتج عن وضع قاعدة ورسم نطاقها, فتكون خطة البحث ضمن قسمين, قسم يبرز القاعدة, وقسم يحدد نطاقها.

   أما إذا كانت القاعدة عبارة عن تحديد مفهوم قانوني وتبيين شروط قيامه فالخطة تكون ضمن قسمين, قسم يشرح المفهوم وقسم يبين شروط قيام القاعدة القانونية.
المبحث الثاني: الجانب الموضوعي لتحليل نص المواد 59-60-61 من القانون المدني
        يتضمن هذا المبحث الخطوات الإجرائية لما تم التقديم له في المبحث الأول وقد وقع اختيارنا على المواد 59-60-61 من القانون المدني وهي مواد تبين الشروط المتعلقة بأهم ركن من أركان العقد وهو التراضي وهذه المواد تحدد شروط التراضي ووقوعه.  
المطلب الأول: التحليل الشكلي لنص المواد:  ونتناول فيه نص المواد وموقعا وتاريخ إصدارها
الفرع الأول: الدراسة الوصفية لنص المواد
أولا: نص المواد:
المادة 59: يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون إخلال بالنصوص القانونية.
المادة 60: التعبير عن الإرادة يكون باللفظ, أو الكتابة , أو بالإشارة المتداولة عرفا, كما يكون باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه.
ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا.
المادة 61: يُنتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به, ما لم يقم دليل على عكس ذلك.
 ثانيا: موقع النص
يقع هذا النص ضمن المواد (59.60.61) من القانون المدني الجزائري, في فصله الثاني ضمن القسم الثاني المتضمن لشروط العقد ضمن البند الأول المعنون بـ " الرضا " وقد صدر هذا القانون في نسخته الأولى ضمن الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر 1975 والذي عدل وتمم بمجموعة من القوانين والأوامر نذكر منها, القانون 05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005 علما أن نص المواد محل الدراسة لم يرد عليها أي تغيير منذ صدور الأمر 75-58 المنشئ للقانون المدني.
الفرع الثاني: الدراسة البنيوية لنص المواد:  ونشير هنا إلى بنيتين أساسيتين البناء المطبعي واللغوي.
  أولا: البناء المطبعي (الطبوغرافي)
جاءت المادة 59 في فقرة واحدة تبدأ بكلمة ( يتم العقد...وتنتهي...دون اخلال بالنصوص القانونية)
و جاءت المادة 60 ضمن فقرتين تبدأ بـ: ( التعبير عن الإرادة .... وتنتهي بــ.... على أن يكون صريحا.)
وقد جاءت المادة 61 ضمن فقرة واحدة تبدأ بــ: ( يُنتج التعبير ... وتنتهي بــ... ما لم يقم دليل على عكس ذلك.)
ثانيا: البناء اللغوي المنطقي: استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية ومصطلحات تدخل في باب التعاملات المدنية والتجارية مثل ( يتفق الطرفان, التعبير صريحا, إرادتهما المتطابقتين) وتجدر الإشارة إلى وجود خطأ صرفي من المصدر في المادة 59 في لفظة التعبير عن إرادتهما والأصل والأصح إرادتيهما. ونلاحظ أن المادة 59 اعتمدت أسلوبا شرطيا فقد ربطت تمام العقد بتبادل التعبير عن الإرادتين من قبل طرفي العقد وقد كان الربط بكلمة "بمجرد" كما أن المادة 60 حددت طرق التعبير عن الإرادة في مجال العقد وحصرتها.وبعد ذلك جاءت المادة 61 لتحدد وقت وقوع تطابق الإرادتين ومتى يعتبر ذلك قانونا.
الفرع الثالث: إبراز الغاية من وضع النص. إن الغاية من وضع المشرع لهذا النص المحدد لعامل الإرادة في سريان العقد هو توضيح دور الإرادة في قيام العقد وذلك بشرط وجودها وتطابق إرادة الموجب مع القابل وكذا تبيين طرق التعبير عن الإرادة ومتى تعتبر قانونا. و كل هذه الاشتراطات تصب في خدمة ثبات العقد ومصداقيته باعتباره مصدرا مهما من مصادر الالتزام في القانون عموما وفي المعاملات المدنية على وجه الخصوص.وقد وفق المشرع في تبيين ركن الرضا بقيامه بتبيين الإرادة وشروط صحتها وطرق التعبير عليها في مجال العقود.
المطلب الثاني: التحليل الموضوعي لنص المواد
الفرع الأول: تحليل مضمون نص المواد:
   يتضح لنا من نص المادة 59 من القانون المدني أن المشرع قد اشترط لقيام الرضا وهو ركن الأساسي في العقود, شرطا لازما وهو وجود إرادتين متطابقتين تهدفان الى إنشاء اثر قانوني, وقد جعل المشرع التعبير عن الإرادتين المتعاقدتين شرطا لتمام اي عقد على الا يكون هذا العقد مخل بنص قانوني.

   ثم حدد المشرع في المادة 61 طرق التعبير عن الإرادة فحددها بالتعبير اللفظي, أو بالكتابة, أو الإشارة المتداولة عرفا, ووسع من نطاق مجال التعبير بأن جعله ممكنا باتخاذ موقف لا يدع مجالا للشك في دلالته على مقصود صاحبه, ثم تحدث المشرع في الفقرة الثانية عن إمكانية ورود التعبير عن الإرادة بشكل ضمني واشترط لذلك شرطان هما – ألا ينص القانون على صورة محددة للتعبير عن الإرادة, كالكتابة بالنسبية لعقود بيع العقارات مثلا.
و إذا لم يتفق الطرفان على وجوب كون التعبير عن الإرادة بشكل صريح.
ثم تحدث المشرع في المادة 61 عن تطابق الإرادتين وجعل التعبير محدثا لأثره بمجرد وصوله لعلم متلقيه وعد وصول هذا التعبير للطرف الموجب قرينة على علم الموجب بقبول إيجابه, من الطرف المفترض منه القبول, شريطة عدم قيام دليل على عكس ذلك.
الفرع الثاني: طرح الإشكالية: من خلال تحليل مضمون المواد المذكورة نخلص لطرح الإشكال التالي:
    ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في التراضي حتى يعد منشئا للعقد؟
الفرع الثالث: التصريح بخطة البحث:
المبحث الأول: وجود التراضي و التعبير عنه.
    المطلب الأول: وجود التراضي
    المطلب الثاني: التعبير عن الإرادة
    الفرع 1: الحالات المنصوص عليها للتعبير عن الإرادة
   الفرع 2: الحالات التي يعتبر فيها السكوت تعبيرا عن الإرادة
المبحث الثاني: تطابق الإرادتين
      المطلب الأول: الإيجاب وشروطه
      المطلب الثاني: القبول
      المطلب الأول: تطابق الإيجاب والقبول
الفرع الرابع: تحليل المواد وفقا لخطة البحث
المبحث الأول: وجود التراضي و التعبير عنه:
المطلب الأول: وجود التراضي
       لقد نصت المادة 59 من القانون المدني الجزائري بقولها( يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون إخلال بالنصوص القانونية) إذن فالتراضي يتم  بإيجاب وقبول متطابقين يتجهان إلى إحداث أثر قانوني هو إنشاء التزامات تترتب على اتفاقهما.ويجب أن يكون القبول مطابقا للإيجاب, بحيث لا يعدل منه, أو يقيده أو يزيد عليه وإلا اعتبر إيجابا جديدا
المطلب الثاني: التعبير عن الإرادة
    الفرع 1: الحالات المنصوص عليها للتعبير عن الإرادة
      لا يعتد القانون بالإرادة إلا بعد التعبير عنها, ولا يشترط القانون الجزائري مظهرا خاصا للتعبير عن الإرادة, فيكون التعبير عن الإرادة باللفظ أو بالكتابة أو الإشارة المتداولة عرفا, أو باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على حقيقة مقصود صاحبه وبخلاف ذلك فالسكوت المطلق لا يتضمن أي دلالة على القبول, لأن الرضا عمل إيجابي, والسكوت شيء سلبي لذلك نجد أن فقهاء الشريعة قد قرروا قاعدة أصولية مفادها: ((أنه لا ينسب للساكت قول)) وهو نفس المبدأ الذي أخذ به فقهاء القانون والتشريعات الحديثة
   الفرع 2: الحالات التي يعتبر فيها السكوت تعبيرا عن الإرادة
     غير أن هناك أحولا استثنائية يعتبر فيها السكوت قبولا, إذا اقترن بملابسات تفيد التعبير عن الرضا, وقد بينت ذلك المادة 68 من القانون المدني وهذه الحالات هي:
ــ إذا كانت طبيعة المعاملة تقتضي اعتبار السكوت متضمنا للقبول, كأن يضمن التاجرة فاتورة شروطا غير عادية, ولم يبادر المشتري لرفضها في الوقت المناسب.

ــ إذا كان العرف التجاري يقتضي اعتبار السكوت دليلا على الرضى.
ــ إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين , كتاجر اعتاد إرسال بضاعة إلى عميل له. دون أن ينتظر ردا فيعتبر سكوت العميل قبولا لهذه البضاعة.
ــ إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه ,فسكوت هذا الأخير يعتبر قبولا
       ولا يؤخذ بالتعبير قانونا رغم وجوده ماديا بمجرد صدوره عن صاحبه, بل يشترط لوجوده القانوني أن يصل إلى من وجه إليه.والعبرة بالوجود القانوني لأنه هو من تترتب عليه أثار قانونية.
     على أنه يجب مراعاة أن هناك عقودا شكلية يتطلب القانون لانعقادها أن يتخذ التعبير عن الإرادة  شكلا محددا, كالكتابة كما هو الحال في عقود بيع السيارات و العقارات, كما أن القانون قد يشترط في بعض الأحيان أن يكون التعبير صريحا ولا يقبل التعبير الضمني, والهدف من ذلك عادة هو تنبيه المتعاقد قبل العقد إلى وجه الخطر فيما هو مقدم عليه, ويعتبر هذا نوعا من الشكلية المهذبة كما يصفها الفقه.
المبحث الثاني: تطابق الإرادتين
يقصد بتطابق الإرادتين اقتران الإيجاب بقبول مطابق له, ذلك أنه يلزم لقيام العقد أن يصدر تعبير عن إرادة  شخص يتضمن عرضا منه وهو الإيجاب. وأن يصدر تعبير يقابله عن إرادة شخص أخر لقبول العرض هو القبول والذي يأتي مطابقا للإيجاب.
المطلب الأول: الإيجاب وشروطه:
 الإيجاب: هو العرض الصادر من شخص, يعبر بوجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين , بحيث إذا ما اقترن به قبول مطابق له انعقد العقد, وله شرطان.
1ــ أن يكون جازما: أي أن يكون صادرا  عن نية باتة في التعاقد, فإذا كان من وجه العرض لم يعقد عزمه نهائيا على التعاقد فإننا لا نكون بصدد إيجاب وإنما نحن بصدد دعوة إلى المفاوضة على التعاقد.
2ــ أن يكون كاملا: فتتوافر فيه كل العناصر الرئيسية للعقد المراد إبرامه , ويتم فيه عرض كل المسائل الجوهرية, ففي البيع مثلا يجب تعيين المبيع, وثمن البيع وكذلك في لافتات البيع إذا عين عليها نوع السلعة و ثمنها.
  المطلب الثاني: القبول
     هو التعبير عن الإرادة الذي يأتي مطابقا للإيجاب وبه ينعقد العقد, وينبغي أن تتوفر فيه الإرادة والاتجاه إلى إحداث أثر قانوني. ويشترط فيه شرطان هما أن يكون مطابقا للإيجاب وأن يصدر القبول قبل سقوط الإيجاب وإلا اعتبر إيجابا جديدا.
المطلب الأول: تطابق الإيجاب والقبول: تنص المادة 59 من القانون المدني الجزائري أنه: (يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية) إذن فلكي يتم العقد ينبغي أن يتطابق الإيجاب والقبول, والقانون المدني يورد فرضين لهذه الحالة
أ ـ أن يكون التعاقد بين حاضرين: وقد ورد النص عليه في المادة 64 من ق.م فإذا كان التعاقد بين حاضرين حقيقة أو حكما, فالأصل أن يصدر القبول فورا, بعد الإيجاب ما دام الموجب لم يحدد أجلا للقبول فإذا لم يصدر القبول فورا فإن للموجب أن يعدل عن إيجابه, ولكن استثناءا أجاز القانون أن يتأخر القبول ما دام المتعاقدين في نفس مجلس العقد ومنشغلين بالتعاقد, وما دام الموجب باقيا على إيجابه.وعليه يجوز تأخر الإيجاب على القبول بشرط عدم انفضاض مجلس العقد, وبقاء الموجب على إيجابه.
ب ـ التعاقد بين غائبين: وتبرز هنا أربع نظريات نوردها إيجازا:
1ـ نظرية إعلان القبول: وتعتبر العقد منعقدا بمجرد قبول الإيجاب ممن وجه إليه, ويعتري هذه النظرية أحوالا في العقد تضعفها كأن يعدل الموجب عن أيجابه قبل علمه بالقبول رغم أن القبول صادر من الطرف الآخر للعقد,
2ـ نظرية تصدير القبول: وترى أن العقد يتم بمجرد أن يصدر القابل رسالته بالقبول, حتى دون علو صاحب الإيجاب بالقبول.ما يضعها أمام إشكالية إلغاء صاحب الإيجاب لإيجابه قبل علمه بالقبول.
3ـ نظرية تسليم القبول : وترى أن العقد يتم بمجرد تسلم صاحب الإيجاب للقبول حتى ولو لم يطلع عليه.ولكن العبرة بالعلم بالقبول لا بتسلمه.
4ـ نظرية العلم بالقبول: وتعتبر أن العقد يعد تام في الزمان والمكان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول, ويعتبر وصول القبول إلى الموجب قرينة على علمه بالقبول, حتى يثبت العكس. وقد أخذ القانون الجزائري بهذه النظرية في المادة 67 التي نصت ( يعتبر التعاقد ما بين غائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول, ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك. ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما القبول).
   ويترتب عن أخذ  التشريع الجزائر بهذه النظرية النتائج التالية:

أ ـ يجوز للموجب أن يعدل عن إيجابه الذي لم يحدد له أجلا طالما لم يصله القبول.
ب ـ يعتبر عقد بيع المنقول تاما من وقت وصول القبول إلى الموجب وتكوم ثمار المبيع له من هذا الوقت إن كان الموجب هو المشتري.
ج ـ تسري المواعيد ومنها ميعاد التقادم, من الوقت الذي يصل فيه القبول إلى الموجب وينظر إلى أهلية التعاقد في هذا الوقت.
الخاتمــــة
    إن التحليل وعلى اعتباره دراسة مفصلة لمكون ما, حتى يمكن استيعابه, يعد في دراسة المواد القانونية (الأداة المفتاح) فالتحليل السليم هو المتاح الضروري لأي تعليق انتقادي لشكل ومضمون النص القانوني, فالتحليل يوفر معطيات سليمة لمن يعلق على النص القانوني, وفوق ذلك فالتحليل هو الأداة الأجدى لتفسير النصوص, فلا يمكن تصور تفسير نص قانوني واستخراج إرادة المشرع منه, دون مروره على إلية التحليل. والتحليل في حد ذاته أداة لإبراز مكونات نص وجزئياته, وكلما استطعنا التعمق في التحليل أكثر, كلما توصلنا إلى استيعاب أكمل وأوفى لعناصر النص القانوني, مما يؤدي بنا للحصول على تعليق أوضح وأدق عند مناقشة النص القانوني .وللصول لتحليل دقيق لابد من طرح إشكاليات جادة تحيط بكل عناصر النص, ولابد عند تناول النص بالتحليل, مراعاة إرادة المشرع والتي تنطلق غالبا من احتياجات المجتمع للنص القانوني فالنص القانوني هو في المحصلة مطلب اجتماعي يخدم مصلحة عامة هذه المصلحة تراعى فيها احتياجات المجتمع ( الاقتصادية أو الأمنية أو الاجتماعية أو السياسية) لذا وجب عمن يقوم بتحليل أي نص مراعاة هذه الاعتبارات.
قائمة المصادر:
-         الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 هـ الموافق 26 سبتمبر سنة 1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم.
-         حلمي محمد الحجار, المنهجية البحث القانوني , دار الفكر. القاهرة مصر, ط 2, 2003
-         صالح طاليس, المنهجية في دراسة القانون, منشورات زين الحقوقية, لبنان ,ط 1, 2010.
-         عبود عبد الله العسكري, منهجية البحث العلمي في العلوم القانونية, دار النمير, دمشق سوريا, ط2, 2004.
-         عكاشة محمد عبد العال و سامي بديع منصور, المنهجية القانونية, منشورات الحلبي الحقوقية, لبنان ,ط 1, 2005.

التسميات: ,